الأحد، 7 أغسطس 2016

رسالة الى فائق حسن.. بمناسبة قتل معهد الفنون الجميلة!!


 رسالة بقلم الفنان القدير / ستار كاووش
أستاذي العزيز، لم أرغب في أن أعكر عليك صفو راحتك وأنت ترقد في الأعالي. لكني أتساءل أحياناً مع نفسي، أين أنت يافائق حسن لترى وتشهد على وضاعة الأوضاع في بلدنا العراق، أين أنت يامن أسست معهد الفنون الجميلة سنة 1939 وعلمتنا سحر الرسم؟ وقتها أردتَ أن تجمعَ الموهوبين من الشباب والشابات ليكونوا نواة لفناني البلد في المستقبل. سبع وسبعون سنة مضت على ذلك الحدث الذي غيّر وجه الثقافة في العراق وأعطاها هوية جديدة. كنت رائداً يا أستاذنا في الرسم وفي صياغة معايير جديدة لإبداعنا. لكنك ربما لاتعرف الآن وأنت بعيد عنا كل هذا البعد بأن ثمة رواد جدد قد ظهروا الآن في بغدادك ليؤسسوا نوعاً جديداً من (الفن)، أنه فن الخزعبلات والوضاعة وقتل الجمال بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ. هل تصدق يا أستاذي بأن هؤلاء الذين يسحبون خطواتهم الآن على درب الانحطاط ويريدون سحب البلد معهم أيضاً على نفس هذا الطريق، يحاولون الآن طمس ما بنيت وهدم ما أسست وتفريق ما جمعت وما تركت لنا من أرث نفاخر به كل وقت!! 
لقد غيروا أسماء المدن ومسحوا أسماء الشوارع التي نعرفها وهدموا بناياتنا الجميلة وحولوا أحجارنا الثمينة الى محابس وسبح !! قلبوا قماشات لوحاتنا ووضعوها تحت اقدامهم وهم يدعون لخرابنا في صلاتهم للرب!! اطفأوا مصابيحنا ومنحونا القنابل والتفجيرات!! منعوا أغانينا وأهدونا العويل والبكاء!! نزعوا لافتات أفراحنا وغطوا بقماشاتها عنوةً رؤوس فتياتنا الجميلات!! أصبح الرسم محرماً في بلد اخترع الرسم وأهداه للبشرية!! وسادت الخزعبلات والتعاويذ في بلد اخترع الكتابة وغيّر تاريخ العالم!! منعوا الرقص والموسيقى!! وفوق هذا يسمّون النحت أصناماً!! أزالوا الدمى البلاستيكية التي توضع في واجهات المحال لغرض عرض الملابس واتهموها بإفساد الذوق العام، ليعطوا لنسائنا بعدها السواد والقتامة. ربما تستغرب يا أستاذي وتتساءل بعفويتك المعهودة عن كيفية حدوث كل هذا التغيير وبهذا الوقت القياسي؟ وأنا أقول لك، لا وقت لهؤلاء سوى أوقات صلاتهم الزائفة، وهم سائرون بهذا النهج ما دام الجميع ساكتين. 
اِسحب نفساً من دخان غليونك يا أستاذي واتكئ على كرسيك قبل أن أزف لك الخبر الأخير، نعم، أنه الخبر الذي دعاني لمكاتبتك والرجوع اليك كما كنت أفعل ذلك أيام الدراسة. فقد قرر قبل بضعة أيام أحد هؤلاء الجهابذة أن يهدم ويلغي ويزيل عن الوجود معهد الفنون الجميلة ويدعو الى تحويله لمدرسة إعدادية!! يالمحبته للعلم والمدارس ويالانتباهته الفذة في اقتلاع الفساد الذي يعشش في معهد الفنون الجميلة والذي تسبب في خراب البلد والناس، ويالبراعته وهو يحارب الشر والرجس الذي هو من عمل الشيطان!!! أنت تضحك الآن بالتأكيد يا أستاذي وتحمد الله لأنك بعيد كل هذا البعد. أراك تضحك أكثر وتعدّل من جلستك وتتكئ على حافة كرسيك القديم لتستذكر دعوتي لإطلاق اسمك على أحد شوارعنا. وأنا أضحك معك الآن بحرقة أقرب الى الكوميديا السوداء، حيث لا أرى اسمك مكتوباً على يافطة شارع حتى وأن كان صغيراً، بل دَمِعَت عيناي وأنا أشاهد بدلاً من ذك أسم (رجل دين) من بلد آخر، يُطلق على احد شوارع بلدي!!!! 
أخيراً أعرف بأنك قد تستغرب يا أستاذي وقد يستغرب القراء أيضاً بأني قد استعملت هنا في هذا المقال الكثير من علامات التعجب، وأنا أسألك، هل رأيت عجباً أكثر مما يمر به بلدنا؟ فلا علامات في اللغة تشير الى وضعنا الآن بشكل مناسب سوى علامات التعجب، والتعجب جداً!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن