السبت، 7 مارس 2015

حكايةُ استشهاد الجندي شعلان



حكاية  من الواقع                                                                                            
لم يكن في مخيلة  شعلان ز.ح . أنْ يعيشَ يومًا من الأيام  في قرية اسمها {أجروية } من قرى ابو صخير التابعة لمدينة النجف الأشرف في العراق , ولكن مغامرات السيد الجنرال وإحتلاله للكويت ,ساهما في إعادة هذه العائلة إلى أرض الأجداد في العراق بعد أنْ عاشت في الكويت  زمنًا طويلاً  وعانتْ هناك أيضا  كثيراً وكثيراَ من قضية تسمى البدون ... كبر شعلان وترعرع بين النهر والتربة ولم يكن يحب  السفر في حياته إلا انه كان يستمتع كثيرا عند الصباح الباكر بالنظر إلى القبة الذهبية لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب على الرغم من المسافة الفاصلة بين ابو صخير ومركز النجف.. وكان شعلان يحلم كثيرا بالزواج  بمن يعشق وإنْ كان صمته يحير محبوبته في كثير من الأحيان فهي لاتفهم عليه ,ما أن كان يعشقها أم لا...                                                             
كبر شعلان  وكبرت أحلامه معه ولكنه لم يكن بقادر أنْ يخطو أية خطوة  للأمام... فقد خاض العراق بأكمله مخاضًا عسيرًا بعد 2003م , رأى  شعلان القوات الامريكية والتحالف الدولي وهم يحررون العرق !!! وشهِدَ على المسلحين وهم يقاومون العسكر الغربي وشهد أيضا على مئات السيارات المفخخة وساعد على رفع  الأشلاء   التي تتناثر على الأرصفة وتعرف شعلان  على عشرات الجثث المرمية عند الصباح في أقرب  مزبلة من البيت ولم يتعرف على  عشرات اخرى بقيت مجهولة للجميع...  ولكن شعلان  كان الشاهد الأوّل على الجوع وهو يفتك بعائلته والبطر في آن واحد....فقد رأى بأم عينيه كيف يتبختر الأغنياء وكيف تنساب إلى سمعه أخبار السرقات الحكومية والصفقات الوهيمة وهروب المسؤولين ..وكان شاهدا على الجوع حين راى النخيل يتيبس من العطش والأرض تموت وحبيبته تغادر إلى زواج أخر دون انْ يستطيع انْ يعترض  بكلمة واحدة في هذا الموضوع....اختار شعلان  حلا وسطا للأمور ,حين قرر استلاف مبلغا من المال لكي يدفعه رشوة إلى بعضهم من أجل قبوله  جنديا في الجيش العراقي مثل مافعل اخوه بالضبط ...وهذه هي الحقيقه فقد دفع كل مايملك إضافه إلى ما استقرضه من الأخرين وأصبح جنديا  في الجيش عام 2010م   كان شعلان ملتزما بأداء الواجب العسكري الذي يكلف به وباداء الواجب العسكري الذي يكلف به زملاء له , وهذه من غرائب الأمور ؟؟؟ إلا انّ شعلان كان يشرح ذلك لنا ؛ بأنّ الجنود الفضائيين قادرون على دفع نصف مرتباتهم مقابل الهروب من الواجب ؛ ولان  شعلان لم يكن قادرا على هذا فقد كان يتحمل عدة واجبات في آن واحد ....و كانت السيكارة هي المحاور الوحيد لصمته وهي الأنيس الوحيد لليله الطويل جدا جدا... حلم كثيرا شعلان هذا بعودته لصعود النخلة مرة أخرى من أجل قطف التمر ولكن النخيل تيبس كثيرا ولم يثمر إلا ماندر ..فحلم أنْ يعمل في مزرعته  إلا  انّ جاره المناضل سابقا في ساحات أوربا الجميلة كان قد قطع الماء عن مزرعة شعلان وأهله لمرات عديدة ..وحلم ان يذهب مع ابنه للمدرسة صباحا  إلا ان المدرسة الهيكيلة مازالت لم تكتمل في القرية منذ 10 سنين ,,فظل يحلم كثيرا ولكن دون جدوى , فوثق أحلامه كلها  واستودعها صحراء النجف وبحرها الميت إلى أشعار أخر... وانشغل بالتخلص من لسعات شمس الظهيرة ودرجة الحرارة البالغه 50 في شوارع بغداد ...                 .                                                                          
تلقى شعلان واخوه نبأ تحرك الكتيبة العسكرية  نحو  الموصل بحزن كبيرمصدره الأخبار من هناك...و شعلان هذا لم يسافر في حياته كثيرا ولم يعرف في يوم ما ماهي الموصل...ولكنه كان متأكدا بان الطريق الى الموصل يتطلب أنْ تمر بمحطات كثيرة جدا فعليه ان يسافر من النجف إلى بغداد العاصمة مارا باللطيفية والمحمودية واليوسفية وجرف الصخر...وبعد بغداد العاصمة  عليه ان يمر بالدجيل و بلد وسامراء وتكريت وبيجي ثم الموصل...وفي الحصيلة كان يعرف ان هذه المدن تعج بالمسلحين الشرعيين وغير الشرعيين والموت هو خارطة الطريق المؤكده لكل من يسافر هلى هذا الطرق...إلا ان شعلان كان يردد  مع نفسه كثيرا  { لا احد يموت الا بيومه وكل واحد وساعته } وكانت هذه سلوته وحكمته,لذلك قبل الرحيل الى الموصل شمال العراق...ولم ينفذ الأمر العسكري نف الكتيبة مع ضابطين ؟؟؟                                                     
احب شعلان الموصل  حبا كثيرا ... كان منبهرا بجمال المدينة وتنوعها وسحرته روعة طبيعتها المعتدلة والخضرة التي ترسم المنظر على جرفي نهر دجلة ,فلأول مرة يقابل شعلان دجلة في حياته بهذا الشكل لانه تعود دائما السباحة في نهر الفرات في النجف الأشرف...كان يرى في الموصل مدينة رائعة واحب كثيرا التعرف إلى أهلها والسلام عليهم والحديث معهم ,,نعم كان يبادلونه التحية  حين  يشتري ويتبضع لكن لا أحد يجامله في غير هذا ,مثل بقية زملائه أيضا ,بل اكتشف بعض علامات عدم الرضا عنه في السيطرات العسكرية من قبل أغلب الأهالي ولكنه لم يكتشف السر في ذلك ولعله  اكتشف السر ولم يصدقه.....                                                       
هاهو شعلان  يتسلم واجبه العسكري في باب الطوب اثناء وجوده مع سيطرة للجيش العراقي في هذا المكان المزدحم بعض الشيء ..كان يوما ربيعيا بكل ما تعني الكلمة فهاهو النهار يتنصف في هذا اليوم ,وشهدت  الساعات الاولى للصباح ازدحاما شديدا  و انتشر  الباعة المتجولون وكذلك أطفال الأرصفه , وبضعة متسولات عربيات ومحليات !!! لا أحد يستطيع ان يركز اهتمامه على نقطة معينة في مثل هذه الأجواء المزدحمة كثيرا , شعلان توقفت كل أحاسيسه عند طفل مصلاوي كارثي الجمال وكان هذا الصبي في السنة العاشرة من العمر وهو يسير بجوار أمه قاصدا مكان ما , دُهِشَ شعلان كثيرا  بجمال هذا الطفل الذي اصبح يبتعد عدة مترات من مكان السيطرة , زخات  من الرصاص فجرت المكان وقد انهمرت من كل اتجاه على السيطرة العسكرية من قبل مسلحين  مجهولين ملثمين بالسواد.....كانوا يصرخون  الموت للروافض والكفرة...انتشر الجنود في مواضعهم بسرعة البرق واثناء الصيحات وانتشار الجنود , تتطاير الرصاص في كل مكان من الساحة والشارع ,الثواني القليلة لم تسعف شعلان بالتفكير في كيفية الرد على الهجوم , إلا انه  أسرع  نحو الطفل الجميل ورمى شعلان بكل جدسه فوق الطفل وكانه احتضن الحدباء والنبي يونس والغابات والسنة والشبك الازيدين والتركمان والاكراد وجامعة الموصل و الكنائس والثور الاشوري...........وكان يشعر بانه قادر على احتضانهم جميعا بيديه التي كانت تلوح عند الصبح بقوله السلام عليك يا أمير المومنين,,,كان ثمة شعور يراوده بان أمير المؤمنين يسمعه فعليا ويرد تحيته بأحسن منها ولكنه  لايعلم لم هذا الشعور واذا كان حقيقا فلم اختصه بالسلام من دون غيره...                                           
 بضعة دقائق كانت كفيلة بانسحاب المسلحين من الشارع والمعركة انتهت وضج المكان  بصفارات سيارات الاسعاف القادمة وكذلك بضعة سيارات  للجيش جاءت لتقديم الدعم والمساعده وتجمهر الجنود حول الضابط لتوزيع المهام من جديد ومعرفة الموقف و تجمهر عدد من المارة  إلا ان شعلان رفض الوقوف على رجليه وبقي محتضنا الطفل  تحت صدره وربما كان الطفل يختنق تحته أو ينام إلى الأبد....فهرول بضعة جنود مع أم الطفل لمساعدة شعلان  , نادوه  بالوقوف على رجليه , فلم يستجب ولم يسمع كلامهم ولن يستجيب لهم أبدا ,مما أثار فضول أم الطفل فاندفعت بقوة لتزيح شعلان عن ابنها الجميل الموصلي....فوجدت ان الرصاص قد مزق صدر شعلان  وظهره بأكثر من عشرين اطلاقة وقد فارق الحياة ووجدت ابنها يغفو بسلام و بكل دفء وحنين  على صدر شعلان   النجفي الذي عاد إلى قريته في ابو صخير ليسلم من جديد على أمير الؤمنين وسط ادمع الأهل وصريخ النساء وحسرات زوجته وأولاده. وأولاده الحلم الذي لم يتحقق.... هكذا  غادرنا شعلان زامل حربي في معركة لاتعنيه ....الا انه كان يعرف ان كل واحد يموت في يومه                                
جمال حسين مسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن