الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014







الشاعر الشهيد الكميت بن زيد الأسدي
( 60 ـ 126هـ )
من أعلام الشعر في العصر الأموي

حسن الشيخ حسين
يُعتبر الكميت بن زيد الأسدي من أوائل شعراء الإسلام الذين جعلوا من الشعر أداة للتعبير عن آرائهم ومواقفهم، وكان لذلك أثره البعيد في تثقيف جمهور الناس الذين استلهموا من هذه الأشعار روح الثورة وفكرة الإصلاح والتغيير.
مولده ونسبه
هو الكميت بن زيد الأسدي، لقبه أبو المستهل، نسبه ينتهي إلى مُضَر. ولد في الكوفة سنة 60 هـ على عهد بني أمية وقضى شطراً من صباه في مسقط رأسه، حيث تغذى فكره بثورة الحسين عليه السّلام، وقد عُرف عنه في مطلع حياته أنه كان يعلّم الصبيان في مسجد الكوفة (1). ثم نبغ في الشعر حتّى أضحى من فحول الشعراء في عصره، حيث ارتسمت في قصائده صورة العصر وانعكست في مرآة أدبه حياة المجتمع من الناحيتين الاجتماعية والسياسية.
أخلاقه وصفاته
كان عالماً بلغات العرب، خبيراً بأيامها، وكان فيه عشر خصال لم تكن في شاعر: « كان خطيب بني أسد، فقيهاً، حافظاً للقرآن، ثبت الجنان، كاتباً حسن الخط، نشّابة جدلاً، أول من ناظر في التشيع، رامياً لم يكن في بني أسد أرمى منه، فارساً شجاعاً، سخياً ديِّناً » (2).
وكان معروفاً بموالاته لأهل البيت عليهم السّلام مشهوراً بذلك، كما تشهد بذلك القصائد الهاشميات، وهي من جيّد شعره ومختاره. وكان جريئاً، مستبسلاً في الدفاع عن عقيدته، حتّى ولو كلفته حياته، وقد عانى في سبيل ذلك ألم السجن والتشرد والغربة حتّى فاز بالشهادة.
نبوغه في الشعر
منذ مطلع شبابه، أظهر الكيمت ذكاءاً نادراً، كما شهد له بذلك الشاعر الفرزدق حين التقاه في الكوفة وعرض عليه بواكير شعره فأثنى عليه وذلك أن الكميت قال له: إني قلت شيئاً أحب أن تسمعه مني يا أبا فراس، فقال له: نعم هاتِه، فأنشده قوله:
طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطربُولا لعباً منـي وذو الشوق يلعـبُ!
فقال له: قد طربتَ إلى شيءٍ ما طرب إليه أحد قبلك.
ولم يُلْهني دارٌ ولا رسم منزلٍولم يتطـربني بَنان مخـضَّبُ
قال: ما يطربك يا ابن أخي ؟ قال:
ولا السـانحـات البارحات عشيةًأمرَّ سليمُ القرن أم مرَّ أعضبُ (3)
فقال: أجل لا تتطير. فقال:
ولكن إلى أهل الفضائل والنُّهىوخير بني حوّاء والخيرُ يُطلَبُ
قال: مَن هؤلاء ويحك ؟ فقال:
إلى النفر البيـض الذين بحبهـمإلـى الله فيمـا نابنـي أتقـرّبُ
بني هـاشمٍ رهـط النبي محمـدٍبهم ولهم أرضى مراراً وأغضبُ
خفضت لهم مني جناحَي مـودةٍإلى كنف عِطفاه أهلٌ ومـرحبُ
وكنت لهم مـن هـؤلاء وهـؤلامجنّاً علـى أنـي أُذمُّ وأقصـبُ
وأُرمى وأرمي بالعـداوة أهلهـاوإنـي لأُوذى فيـهـمُ وأُؤنَّـبُ
فأُعجب عند ذلك الفرزدق بشاعرية الكميت قائلاً: أذِعْ، أذِعْ شعرك، فأنت أشعر من مضى ومَن بقي(4).
موقفه من الأُمويين
كانت ثورة زيد بن علي بن الحسين عليه السّلام حافزاً كبيراً لتدفق شاعرية الكميت، فهو قد نظم لاميّته المشهورة مؤيِّداً لتلك الثورة هاجياً حكام عصره مندداً بمساوئهم، كاشفاً لعيوبهم، يقول فيها:
ألا هـل عـمٍ فـي رأيـه متأمـلُوهـل مدبـرٌ بعد الإشـاعة مقبـلُ
وهـل أمـة مستيقظـون لرشـدهمفيكشـف عنـه النعسـة المتزمّـلُ
لقد طال ضد النوم واستخرج الكرىمساوئهم لـو أنّ ذا الميـل يعـدلُ
أرانا على حـب الحيـاة وطولهـايُجـدُّ بنا فـي كـل يـوم ونهـزَلُ
رضينـا بـدنيـا لا نريـد فراقهـاعلـى أننـا فيهـا نمـوت ونُقتـلُ
فتلك ملوكُ السوءِ قد طـال ملكهـمفـحتّـام حتـام العنـاءُ المطـوَّلُ
وما ضربَ الأمثال في الجورِ قبلنالأجورَ من حكـامنـا المتمثـلُ (5)
فلما بلغت هذه الأبيات مسامع خالد بن عبدالله القسري، وكان والياً على العراق من قِبَل هشام بن عبدالملك، وكان هذا الوالي حاقداً على الكميت، عمد إلى جوارٍ حِسان من وجوه الكمال والأدب، فرواهن هذه القصائد، وأرسل بهن إلى هشام بن عبدالملك، فاستنشدهنّ الشعر، فأنشدنه الهاشميات، فغضب واشتدّ غيظه واستنكر ذلك. وأرسل إلى خالد يأمره بأن يُحضِر الكميت ويقطع لسانه ويده. فلم يشعر الكميت إلاّ والخيل محدقة بداره، فأُخذ إلى السجن، ولكنه استطاع الإفلات منه بأعجوبة، وذلك أنه بعث إلى زوجته واسمها حُبّي وكانت تحمل عاطفة الولاء لبني هاشم، فزارته في سجنه وألبسته ثيابها وتنقّب بناقبها، وخرج حراً طليقاً، وقد أبصره بعض الفتيه لدى خروجه فقال متفرساً: ما ننكر من هذه المرأة إلا يبساً في كتفيها، ولكن لم يفطن إليه، وتابع الكميت سيره منشداً:
خرجت خروج القدح قـدح ابن مقبـلٍعلى الرغم من تلك النوابـح والمشلـي
علَـيّ ثيـاب الغـانيـات وتـحتـهـاعزيمة امرئٍ الوالي أشبهت سِلِّة النصّلِ
فعمد الوالي إلى زوجة الكميت ليعاقبها، عند ذلك تدخل قومها من بني أسد قائلين للوالي: ما سبيلك على امرأة حرّة فَدَت بعلها بنفسها، فخشي من سوء العاقبة، وخلّى سبيلها (6).
وكم من مرةٍ تعرّض لهجاء حكام عصره، في سياق مديحه للهاشميين، كما فعل في الميمية المشهورة:
بل هـواي الـذي أجـنُّ وأبـديلبـنـي هـاشـم فـروع الأنـامِ
الغيوث الليوث إن أمحـل الناسفـمـأوى حـواضــن الأيتـامِ
ساسةٌ لا كمن يَرى رعية النـاسسـواءً ورعـيـة الأنــعــامِ
لا كـعبـد المليـك أو كـوليـدٍأو سـليمـان بعـدُ أو كـهشـامِ
مَن يمت لا يـمت فقيـراً ومـنيَحيى فلا ذو إلٍّ ولا ذو ذمام (7)
وقد جرّت عليه هذه القصيدة عتاباً ووعيداً من هشام الذي أحضره إليه واستجوبه عن الأبيات السالفة، وهنا اضطُرّ الكميت خوفاً من القتل صبراً وهو لا يجدي العمل الرسالي الذي نذر الكميت نفسه من أجله، لذلك فقد اصطنع شيئاً من المديح الكاذب وبعد أن أجاز له أحد الأئمّة ذلك، قائلاً له: إن التقية لتحل حفظاً للنفس، وصوناً لها من الهلاك في غير موضع مناسب، من ذلك في مثل قوله:
والآن صرتُ إلى أميةَوالأُمور إلى المصايرْ
وقد ظن بعض الباحثين ان الكميت قد خالف نهجه الأول، ولكن الحقيقة أن الكميت قد اشترى حياته ولو إلى حين بهذه الأبيات اليسيرة. وهو الذي قال فيهم من قبل أقذع الهجاء وأمرّه:
فقل لبنـي أمية حيث حلّـواوإن خفتَ المهنّدَ والقطيعا (8)
أجـاع الله مـن أشبعتمـوهوأشبع مَن بجوركـمُ أُجيعـا
بمرضيّ السياسـة هاشمـييكون حياً لأمتـه ربيعـا (9)
موقفه مع أئمّة أهل البيت
ولقد كان الكميت متفانياً في حب النبيّ وآله الطاهرين فمن شعره في رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله:
بك اجتمعـت أنسابنـا بعد فُـرقةٍفنحن بنو الإسلام نُـدعى ونُنسَـبُ
حياتك كانـت مجدَنـا وسنـاءنـاوموتك جدعٌ للعرانين مرعبُ (10)
فبُوركتَ مولوداً وبوركـت ناشئـاًوبوركت عند الشيب إذ أنت أشيبُ
وبورك قبر أنـت فيـه وبُوركـتبـه ولـه أهـل بـذلـك يثـربُ
لقد غُيِّبـوا بـراً وصـدقاً ونائـلاًعشية واراك الصفيح المنصّبُ (11)
وقال مادحاً أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام ومشيراً إلى أثر فقده في الأُمة:
فنعـم طبيـب النـاس مِن أمـر أُمةٍتـواكلهـا ذو الطـبّ والمـتطبّـبُ
ونـعـم ولـيُّ الأمـر بعـد وليـهومنتجـع التقـوى ونعـم المـؤدِّبُ
لـه ستـرتا بسـطٍ فكـفٌّ بـهـذهبكفُّ وبالأُخرى العوالـي تُخضَّـبُ
محـاسن مـن دنيـا وديـنٍ كأنّمـابها حلّقت بالأمس عنقاء مُعِربُ (12)
قد روي أنه دخل على أبي عبدالله الصادق عليه السّلام في أيام التشريق، فقال له الكميت: جُعلت فداك، ألا أنشدك، قال: إنها أيام عظام، قال: إنها فيكم. فقال: هات، وبعث أبو عبدالله إلى بعض أهله فقرب، وأنشد فكثر البكاء حينما وصل إلى هذا البيت:
يصيبُ به الرامون عن قوس غيرهمفيا آخـراً أسـدى لـه الغـي أوّلُ
فرفع أبو عبدالله عليه السّلام يديه وقال: اللهم اغفر للكميت ما قدّم وأخر، وما أسرّ وأعلن (13).
وقد دخل قبل ذلك على الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السّلام فأنشده:
من لقلـبٍ متيَّمٍ مُستهـامِغير ما صبوةٍ ولا أحلامِ
فاستغفر له، ودفع إليه ألف دينار وكسوة. فقال الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا، ولكن أحببتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسادكم، فأنا آخذها لبركتها. وأمّا المال فردّه وقبل الثباب، وقد أكرمته فاطمة بنت الحسين حينما عرفته مقدّمةً إليه سويقاً فشربه وهي تقول: هذا شاعرنا أهل البيت.
أقوال العلماء فيه
سئل معاذ الهراء: مَن أشعرُ الناس ؟ قال: أمن الجاهليّين ؟ أم من الإسلاميين ؟ قالوا: بل من الجاهليين. قال: امرؤ القيس، وزهير، وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمِن الإسلاميين ؟ قال: الفرزدق، وجرير، والأخطل، والراعي. فقيل له: ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت ؟ قال: ذاك أشعر الأولين والآخرين.
ويقول عبدالحسين الأميني في غديره عن الكميت، محلّلاً مواقفه النبيلة: وللكميت في رده الصِّلات الطايلة على سروات المجد من بني هاشم تكرمة ومحمدة عظيمة أبقت له ذكرى خالدة. وكل من تلكم المواقف شاهد صدق على خالص ولائه وقوة إيمانه، وصفاء نيته وحسن عقيدته ورسوخ دينه وإباء نفسه وعلو همته، وثباته في مبدئه المقدس. وصدق مقاله للإمام السجاد عليه السّلام: إني قد مدحتك أن يكون لي وسيلة عند رسول الله.
وكان محلَّ احترام وتبجيل أئمّة الدين ورجالات بني هاشم، وكان في رده للصلات والأعطيات أكبر دليل على إخلاصه وولائه، فرد على عبدالله بن الحسن ضيعته التي أعطى له كتابها وكانت تساوي أربعة آلاف دينار.
ثم يضيف العلاّمة الأميني في تقريظه للكميت قائلاً: والواقف على شعره يراه كالباحث عن حتفه بظلفه، ويجده مستفتلاً بلسانه، قد عرّض لبني أمية دمه مستقبلاً صوارمهم، كما نص عليه الإمام زين العابدين عليه السّلام: اللهمّ إنّ الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك نفسَه حتّى ضن الناس وأظهر ما كتم غيره(14).
وفاته
حينما ثار زيد بن علي عليه السّلام على هشام، وقف الكميت يؤيد ويدعو للمشاركة في الثورة على حكم بني مروان، مما أثار عليه حكام عصره، فتعرض للأذى مراراً، وسُجن، وتشرّد كما يشير إلى ذلك في إحدى هاشمياته:
ألم تـرني من حـب آل محمـدٍأروح وأغـدو خـائفاً أتـرقّبُ
كأنيَ جانٍ أو محـدثٌ أو كأنمـابهم أُتّقى من خشية العار أجربُ
وتقضي المقادير أن تفشل ثورة زيد، ويُقتل على يدي يوسف بن عمر الثقفي والي العراق، ويصلب في الكناسة، فيحزن عليه الإمام الباقر عليه السّلام ومحبّوه، وينبري الكميت لهجاء يوسف الثقفي لما فعله بزيد:
يـعـزُّ علـى أحمـدٍ للـذيأصاب ابنَه الأمس من يوسفِ
خبيثٍ من المعشر الأخبثيـنوإن قلتُ زانيـن لـم أَقـذفِ
ومضت الأيام، وإذ بالكميت في مجلس يوسف بُعَيد قتله خالداً القسري الوالي السابق، وكان جنود من اليمانية وقوفاً على رأس يوسف، وكان يتحين فرصة للتخلص من الكميت، فأشار إليهم أن يضعوا سيوفهم في بطنه، ففعلوا ووجأوه فمات لساعته بعد نزف شديد (15).
يقول المستهل بن الكميت: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه فكان يفتح عينيه قائلاً: « اللهم آل محمد، اللهم آل محمد، اللهم آل محمد » (16) ومات شهيداً ـ رضوان الله عليه ـ مدافعاً عن حق أهل البيت عليهم السّلام بمنتهى الجرأة والبسالة، باذلاً مهجته في سبيل الحق، رافعاً لواء الالتزام في الموقف والشعر. فرحمة الله عليه شاعراً شهيداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن