الثلاثاء، 19 مارس 2013

كيف تبعثرت ايام العراقيين/جمال حسين مسلم

Tue, 19 Mar 2013 الساعة : 23:52

مَلْهاةٌ عراقية خالدة                                                
استطاع  اصحاب الحس الرفيع من الفنانين والادباء وأخص بالذكر العراقيين ,التنبؤ ببعض مايحدث في المستقبل , وذالك متأت من مواهبهم النادرة وقرآتهم الكثيرة فبدر شاكر السياب اشعل ثورة كبيرة بنبؤته حول اعوام العراق المتلونة بعشب الارض وجوع  أصحابها في آن واحد,كما يقول:- في انشودته المعروفة                     وكل عام حين يعشب الثرى نجوع    
ما مرعام والعراق ليس فيه جوع                        
            والى جانب هذه النبؤة المحيرة , نبؤات أخرى لمثقفين عراقيين ,جازفوا باحتراف القراءة والكتابة على مرأى ومسمع من السياف....وكان الشاب العراقي يردد منتشيا نبؤة مظفر النواب ولحن عبقري الموسيقى العراقية طالب القرغولي صادحا:-                                                                              
 عُمر وتعدى التلاثين لايفلان ..عمر وتعدى  وتعديت وك لايفلان ....    
  ويُعدُ ترديد هذا المقطع من الشجاعة الكبيرة ؛لانّ فلان عند مظفر النواب هو هدام حسين , لامحال أو صار كذالك بمرور الايام... فضلا عن تلك الجمل الادبية , يستطيع المرء ان يضيف اليها مجازات غابريل غارسيا ماركيز في  رواياته كلها, وسريالية سلفادور دالي....ولكنه قطعا لن يصل الى تصور حقيقي حول كيفية بعثرت أيام العمر وسنينه عند العراقيين..فهي حلقات مترابطة بعضها ببعض زمانيا ومكانيا  , مقدر لها هذا التصميم أو عبثا , صيغت كقلائد العروس على رقبة الناس ..فكان عيشهم  بالفانية على أرض الرافدين لايعني كثيرا .. فالمتتبع للمواليد العراقية,  منذ تولد 1945م  فصاعدا ... يجد مَلهاة عراقية مأساوية , عجيبة غريبة..تمثلت باسدال الستار عن فصول ورفع الستار عن فصول أخرى يعد الفارق بينهما معدوما بحسابات الزمن..                                                      
فمنذ 1958  حيث شهد العراق أول حادثة اغتيال كارثية وعلنية لملكهم الشاب وحكومته.. عرف  بعدها العراق حكم الجنرالات ببزاتهم العسكرية , التي خرجت علينا بين الفينة والاخرى ببيان رقم واحد , و بعدها عشرات الجثث تسحل في الشوارع وفي أروقة القصور الجمهورية, تُشنق وتتدلى بحبال كأنها {عصا موسى } تهتز وترعب الاخرين ..وكانت الميلشيايت  المسلحة تذيق الناس الخوف والموت  من صحن واحدٍ.وعلى مدار عقد من الزمن.... حتى تجلت خيوط الانقلاب الاخير في1968م الذي حلّ معه صدام حسين قدرا أسودا على العراقيين بكافة ألوانهم وأطيافهم ..وتلاطمت الامواج بالشعب العراقي ما بين أغتيالات وأعدامات في الداخل وحروب على الجبل ومع دول الجوار,وتهجيربالتبعية.....و قافلة الخنازير تدهسُ كل من يقف في طريقها , وتشبعَ الناس بمظاهر الفقر والذل والهوان , فأخذوا يخوضون التجربة تلو الاخرة ..بداية مع البحث عن { تنكة نفط أبيض } او طبقة بيض أو سكائر, وليس أخيرها قوافل الموتى من جبهات القتال الى وادي السلام ..ودهاليز مقرات الامن السرية مزدهرة بأعداد البشرية الذين ينتظرون مرحمة الاعدام , والتي كانت أمنية لهم مقارنة بألوان العذاب وصنوفه...وعلى السواتر المتقدمة وعلى جبل أحمد رومي وفي نهر جاسم ..والمحمرة ...., كانت المواليد تسحق بفكي وحش مفترس دون رحمة ولا رأفة.. وشُطِبَ  من سجل الذاكرة الخاوية كل من حمل عنوان مفقود أو اسير اومهاجر او معوق حرب ..وأنتهت سنوات طويلة جدا معتمة اللون انتهت معاها أجيال  من 1945-1970 م , بجرة قلم واحدة 25 ميلادا  ...وخرج من الحرب شعب يحتاج بعدده الى أطباء نفسانيين  , وأول المحتاجين كانت قيادته الرعناء آنذاك...و عاش العراق عقدا جديدا بدأت فصوله مع أحتلال الكويت ..قاسى معه الامرين .. حيث كانت مخالب الجوع تفتك بالعراقيين و معها شتى أنواع الامراض الجسدية والاجتماعية وفي مقدمتها اغتراب العراقيين على الارصفة في عواصم الدول العربية والاجنبية.طلبا للرزق !!! او نجاة من حاكم مستبد....وفي الوقت نفسه كانت قصور الطاغية تمثل عقلية متخلفة دكتاتورية سادية قلّ نظيرها في التاريخ القديم والحديث على حد سواء...وهكذا بنيت المأسآة العراقية ..كلُّ فصل أخذ منها عشرة أعوام على الاقل ,مابين 1958م الى 1968م انقلابات ومليشيايات مسلحة تجوب الشوارع وبعد ذالك منعطفات تاريخية سوداء بدأت من1968م الى 2003م , حصار ظالم وقصور عباسية تدلل على الطغيان البشري..وبين تلك الحقب تسحق المواليد وتتلاشى الامال وتنهب الثروات .وتبقى أحلام المواطن محصورة فيما يرثه عن ابيه لاغير.. أما بعد التغيير في 2003م فقد مضى فعلا عقد جديد من الزمن ..كان دوامة جديدة من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والتجاذبات السياسية . وكادت الامور تستقر عند طبقتين لاثالث لهما....طبقة ميسورة واخرى مسحوقة..وقد افرزت سنين الحرب الطائفية أعدادا من الارامل واليتامى والمطلقات والحواسم والعبوات واللاصقات والكاتمات والمفخخات والانتخابات..والاخيرة تلتهم منا أربعا وأربعا..و على وجه السرعة..هكذا باستعراض غير متأن, يتضح كيف تتبعثر أيام وسنين الشعب العراقي..حتى يخيل لي في لحظة من اللحظات ؛ بأنه لن يحاسب على دنياه..ربما ..فهل تمثلت تلك العقود المفقودة المبعثرة في مخيلة من كتبوا للحظة واحدة..أم هو قدر الارض وبلائها. ومتى تسكينين يانفس كبقية الناس في أنحاء المعمورة  وتنعمين بها كما أراد الله لك أن تعيشي منعمة مكرمة بأهلك وبثرواتك وولدك ووطنك وكرامتك .وهل سيكتب للقادمين من الاجيال عمرا غير الذي رأيناه..                                    
          جمال حسين مسلم    
 
 الملهاة :- الملهاة، اصطلاح فني وأدبي، جاءنا من اليونانيين الأوائل – أهل أثينا القديمة - الذين زودونا بآلاف الاصطلاحات الفنية والأدبية والسياسية والفلسفية. والملهاة كانت تعني – عند اليونانيين – التمثيلية ذات الأحداث المضحكة، أو تلك التي تنتهي ؟؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن