الأربعاء، 11 مايو 2016

قبلَ أنْ يطلقوا رصاصةَ الرحمةِ على رأسه

شعر : موفق محمد
قبلَ أنْ يطلقوا رصاصةَ الرحمةِ على رأسه
سألوا دجلةَ
وهو مشلولُ الضفتين
مثقلٌ بالرؤوس اليانعةِ التي تقومُ فيها الساعةُ
وينشق القمرُ
ما الذي تتمناهُ الآنَ ؟
فرتّل بموجةٍ مقطوعةِ اللسان
أروني الفراتَ
لأطبعَ غيمةً دافقةً على جبينه
وأعزف له بساقيهٍ ثقّبها الرصاصُ
خلي وصديقي
إنَّ الحياةَ التي نبغي لن نجدَها
وإنَّ الشعوبَ لم تعد جديرةً بأنهارها
فلا حيَّ ترجوه من هؤلاء ومن هؤلاء
وقد ذقتَ قبلكَ سمَّ الفراق
فلا تضعْ أمواجكَ في صرةٍ وتستديرَ
محدودباً إلى منبعكَ
مطفئاً بعصاك العيون التي إنبجست منها
فمن للأرحام المتيبسة على الضفاف ؟
ومن للصبايا اللواتي يمطرُ الحزنُ في عيونهنَّ
ويتلألأُ السوادُ في أهدابهنَّ
ويغرقنَ في لُجَّةٍ من عويل
ومن للنخيلِ ؟
إذا أسودَّ جمارُه والكربْ
ومن للأرامل ؟
وقد فتَّ فيهنَّ ما لا يطاق
ومن للعراق ؟
وقد هدَّ في خافقيه الظمأْ
ولوَّح منكسراً للملأْ
وعسعَسَ في وجنتيه اللهبْ
فمن يمسحُ الذلَ عن راحتيه ؟
ويُطفأُ ما هدَّ في خافقيه
وجاءت ذئاباً إليه العرب ْ
*********
لم أنم الليلةَ
فالنهرُ النازفُ في الظلمةِ يغفو بينَ يديَّ
ويهمسُ
لغيومٍ تنقرُ باب القلب
وسنابلَ ترقصُ عاريةً في البيتِ
وأنهارٍ تجري خبزاً وخمرا
وشعبٍ تتلونُ فيه الأجناسُ
ويسري فوقَ الماءِ
ويعفو في السراء وفي الضراء
**********
ما لم يقلهُ الناي يا دجلةُ
أنَّ الجثثَ المكتوفةَ اليدين
حمّلت في الريحِ لي هذا النشيدا
تجيءُ القرى من أقاصي الألم
مكللةً باللهاثِ المرير
ومطحونةً في سواقي العدم
إلى صخرةٍ في أعالي الفرات
تغيَّر مجرى فتاها فمات
ويندبْنَ نهراً عميقاً أساه
أماتَ يكفّرُ عما جناه ؟
فلو كانَ يعلمُ علمَ اليقين
بما دكَّ في الأنفسِ الطاهرة
لصعّدَ أمواجَه الهادرة
على سلمٍ من جراح العراق
وينزفُ حتى تصيرَ السماءُ برمتها غيمةً ماطرة
**********
فيا سيدي
يا أيها المدثرُ بجِراحك واللائذُ من ثقل القتل وطولِ الليلِ
أَنّى لي أن أطعمَ آلافَ العصافير التي تزقزق في أمواجك
وأن أقطفَ الآمالُ التي ترفرفُ في أجنحتها
وجاري عادَ من الطبِ العدليّ مساءً مبتلاً بالموت الناعمِ
في الثلاجات وفي الشفلات
طرباً يندفُ بالآهات قلبه ويغني
( ياريت عيني تعمه ولا شوف هاي القسمة
قبرك يلالي بنجمه
وعيني صفت ما تشوفه )
لم يقل شيئاً
وضع رأسه وأوراقه الثبوتية في صندوق قمامةٍ
وتقيأ جذوره ودخل العالم السفلي آمناً مطمئناً
لم يجد أحداً
فتقرفصَ والوحشة تنشر هواجسها على حبل الوريد
منتظراً إله المعاتب أويلي يابا
وقال أجلس في المقلاة
ودع النارَ تمر بلحمكَ
وأصبْر لرصاص القناصين
لتنضجَ على حروبٍ هادئة
ويقدم الطبق ساخناً لمحتلٍ يحترم الجار السابعَ
**********
العوائلُ العراقيةُ
تشكو من عدم وجود ملابس مستعملةٍ
للأطفال في الأسواق
والعيدُ على الأبواب
والمليارات تهزُ أكتافها في التلفازِ وفي
الصحف الوطنية
والطبالون يطلبون المزيدَ منها
فأيُ عسلٍ سنجنيه من خلايا الأزمات
وخيام المهجرين ترقص عاريةً في البراري
والفلوات
وسكانها ينتظرون الذئابَ
وهم يعيشون عاماً عبوساً قمطريرا
ها أنذا أتلمسُ عشك في صدري
لا أدري كيفَ إخترتَ الثدي الأيسرَ سكناً
وبنيته قُبلةً قُبلةً مازجاً طينة قلبي بدمك
فمن لفراخك الآن / وهي لا تعرف غيرَ منقارك الذي
يحمل إليها عسل الشمس وحليبَ القمر منقذاً
يا جارُ
رَمِشْ لي
وقلْ لي
أو تسمعُ أشعاري
هل أنت بخيرٍ في المقلاةِ
لأقولَ للموت المتكأِ على حبل الوريد
خذني إلى جاري
***********
تغفو النجوم في أمواجك حالمةً بالندى
يا أيها النهر الذي لا أسميك خوفاً
إنَّ الغيومَ تسجدُ على ضفافك
وتكبّرُ بالطين الحُرّي السائلِ من جسدك
فيا سيدي
أحتاجُ بهذا الليل المر
إلى قنينة خمر مظلمَة
ورغيفٍ تهمسُ السنابلُ في خاصرته
لأتخلصَ من هذا الجاثم فوق الرقبة
والذي لم يعد جديراً بالكوابيس التي تعصف به
فيا أيها الرأسُ الذي يطيرُ من رقبة إلى
رقبةٍ
ثبتْ جنانك
فالسيوف يمانيةُ الصنع ولا تنبو أبداً
***********
أنت لا تنزل القبرَ الواحد مرتين
لأنَّ قبوراً جديدةً تزحف فوقك دائماً
والآن أسميكَ
أدجلةُ وادجلتاه
إنَّ الملائكة التي تمسحُ التعبَ عن
جبيني صباح مساءَ هي أمواجك
وإن العصا التي أتوكأ عليها في
الصعود إلى الوطن هي رؤاك
فأنت براقي الذي أسرى بي من سورة الخراب
إلى الينابيع الأولى
حيث تتفطرُ الحكمةُ ظمأً
وتحترق الجذورُ التي نتشدقُ بها
أفديك بنفسي
لا أستطيعُ أن أحملك بين يديَّ رماداً
ولأنني أعلم علم اليقين
بأنَّ مسيرةَ المليونَ قبرٍ
لا تبدأ إلا بجثةٍ
جاهدت أن أجعل من جثتي شمعةً
لتضيءَ القبورَ إلى الزاحفين
فوادجلتاه
ها أنا ذا أتكحل برمادك
لأعود بصيراً
وأكفر بالبصيرةِ من رمادك
**********
نحنُ لا نشبع من الموت
ولا يشبع الموتُ منا
ولا نعرف غير السيف ضوءاً
في هذا التنور الذي يختصرُ الظلام كله
فيا وطني
أفكلما ضعتُ وجدتني
وتضيعُ ولا أجدك
فأي معنىً للحياةِ بعدك
وأي معنىً للتجاريب والمهارةِ ونحن نعوي
في الشتاتِ
والبلدانُ تتنكبُ حدودها وتصوّبُ نحو صدورنا
هل نحن الهدف الأسهلُ في هذا العالم
ومن أي وجرٍ أتتنا الوحوش ؟
أنظل نُقتلُ بالنيابةِ
حتى أنت أيتها النخلة لم تسلمي من رصاصهم
فإلى من نلجأُ في هذا المخاضِ الصعب
ومن للجياع الذين لم يشبعوا للآن
من حطبك
فيا عمة أرجوك
إنَّ لي عشاً فيكِ
فدعيني أنامُ الليلة فيه
لأقرأ ما خطته يدي في الطفولة على جدرانه
الآيلةِ للحريق
وأغني لك عن الحلو الذي قتلني ويسمو
في خاطري
وأذوب بالعسل الضاحك في عينيه
وأسبح بعطره
وأسمي الحمام الذي يتطايرُ من طوله
لا تتكلمْ مع الميت أثناء سير العربة
فللعربة آذانٌ وعيونٌ
وأمامك الكثيرُ من نقاط التفتيش الوهميةِ
وأخاف أُحبك
وأنا الجاري من نورك
والطائرُ في أنهارك
والسابحُ في سمائك
والمنتشي من خمرتكَ
وأخاف أحبك
فالقناص كتب أسمه الثلاثيَ على جبهتي
ووقّع فوقه بفوهة بندقيته هاتفاً
إنّا نحن نستوردُ الرصاص
ونصدّرُ القتلى
والجمعةُ عطلتنا
************
لا تسموا أبنائكم
فكلُ الأسماء تؤدي إلى الذبحِ
رقّمُوهم
لكي يسلموا هم وآباؤهم
************
في السوقِ
يراك الذي يشتري أو يبيعُ غريباً
وأنت تحملُ على ظهرك الفصولَ الثلاثةَ
وتصيحُ قد مات الربيعُ
*************
قبل أن يطلقوا رصاصة الرحمة على قلبه
سألوا دجلة وهم يسمعون في نبرته جرساً خفيّا
ما الذي تتمناه الآن
فرتّل أروني العراق
لأقول له
سلام عليك يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعثُ حيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن