الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

عبد الرزاق عبد الواحد...أخيرا....!!! صباح عطوان


لا شئ إختلف عليه الناس هذه الأيام، أكثر من إختلافهم على تصنيف وضع الشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد..فمازلت دائخا ،تحت تأثير فوضى الهجوم عليه من جهة ،واندفاعات الترحم عليه من جهة اخرى..وفي إعتقادي الراسخ إنهما بكلتيهما يمثلان عملة بوجهين متشابهين، لتصادم إرادتين سياسيتين ، طائفيتين ، بإمتياز..
بذا ينحسر الموقف الوطني قليلاعنهما!!فمن يشعل هذا الهجير، تصادم محبي النظام السابق بمخالفيهم..!والشاعر يمثل طرفا محددا بوضوح..!! المؤسف في إعتقادي ان عبد الرزاق عبدالواحد قد خذل شاعريته،بتوظيف موقفه الشعري لأمر مرفوض..واستبدل بذلك الحس الوطني، بحس لنمطية شخصية ،وولاء شخصي لصدام حسين، وانسحب هذا، فإتسع ليشمل ولاء لداعش إن صح مانشر.. لقداصطف لولاء جذرّه بشعره ، وبذرّه بتواصله مع تداعيات سقوط النظام..
بذا ترك موته الناس في حيرة حول الحياة التي عاش.. وكنت اقرأ واسمع عنه منذ ستينات القرن الماضي، كشاعر شيوعي مرموق، دون ان اقرأ شيئا من شعره..وعلمت انه سجن، وشرَد ،وعذب ككثير من الوطنيين خلف قضبان حديد الأنظمة الرجعية القديمة..ونام على صبتها، وجاع وتعرى، وشرّد ،وهجّر وهاجر.
وقد رأيت بعض مناكفته مع زملاء جيله من الشعراء ،وقرأت قليلا عن الضغناء التي كانت تعلن عبر الشاشات الصغيرة على لسانه ضدهم، وهم قد ان ماتوا وشبعوا موتا..!وهي امور تجمع عادة في سلال التاريخ .وقد تغربل يوما ليستخرج منها اما ضوعا ،او روعا. فلا مزيد على حقائق التاريخ..تعرفت على الشاعر اول مرة،حين التقيته عام 2009 و2010 في دمشق، بمشروع عمل دعتني احدى الفضائيات اليه، فوجدته، والصديق حسن العلوي يسبقاني اليه…. وكان التقائه بي حارا جدا في الواقع..فهو إجتماعي ،وانساني ، وبالغ الرهافة ،والتواضع.. وقال ماملئني غرورا..!! (من زمان كنت مشتاقا لمعانقة ذلك الطائر الغامض، الذي اسمه صباح عطوان!! ..وضحك.. ) ثم اردف ضاحكا (كنت طائر الفينيق الذي يُسحق ويُحرق ،فينتفض لتعود له الحياة ولا يموت!.. اخيرا رأيتك قبل أن اموت!)..
هذا الكلام من عبد الرزاق عبد الواحد، ملئني زهوا في الواقع..وهو ذات ترحاب ،ومحبة، حسن العلوي الذي تحسه، اجتماعيا، بغداديا ،تفصيليا،تماما.. فحسن تشم به بخور الجاوي،والحرمل ،والحبة سودة..! وقد التقيت الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ،اكثر من مره ، لقاءا ادبيا ،وطلبت منه مرة قصيدة قصيرة ،كي تغنى كمقدمة لأحد مسلسلاتي التلفزيونية، فإرتجل لي ستة ابيات على عجل ،كانت في الواقع رائعة..!لكنني كنت غير مرتاح في دواخلي ..
اتحسس ان ثمة خلل ما في الأمر.. إذ لاحظت ان ثمة تناقضا ظاهرا ،في مواقف الرجل..فهو صريع رغبتين..رهين ولائين..ومتنازع بأمور تتجاذبه كل الى ناحيتها..فهو لم يجد ريقا حلوا من النظام الجديد.؟…ولم ير منه اطيابا..وﻻاحبابا. ولا ترحابا..فتيهوه..وهم وحدهم من زج به في مواقف شائنة..إن صحت..فقد كان من جهة يحن حنين النوق الى العراق.. ويقول( بربك قصيدتي هذه عن الحسين ..الا يليق ان تدون على احد جدران حضرته؟..
لااريد اكثر من ذلك؟..وليقارنوها بأي شعر دونوه..؟؟) ثم همس ملتاعا..(يا اخي انا اذوب حبا في الحسين..هو ليش انخلق مثله..؟) بلا ريب ..
كان عبد الرزاق عبد الواحد يذوب حبا بإهل البيت.. وكان الحسين مثله الأعلى .. لكن المحيّر ان تحب الحسين وتذوب شقيا في هواه..وانت توائم قوماجفاة، حفاة اناس جاؤا بمعاولهم لتهديمه، ونبش قبره..؟! شئ لا يشبه شئ تماما!!..
وفي حوار بيننا اثناء ماكان يوصلني ذات ليلة في دمشق بسيارته الصغيرة.. كنت مترددا ان اقول رأيي ببعض الأموركي لا اجرح شعوره..لكن السؤال خرج من بين شفاهي..(انت تعارض تجربة الديمقراطية في العراق يا استاذ عبد الرزاق..فيماانت مؤمن بالديمقراطية في توجهك..ثم انك تؤيد نظاما ديكتاتوريا..لذلك اجد حيرة في فهم ما انت فيه..؟..!
فصدام نفسه عارض الديمقراطية امام الوفد الصحفي الكويتي ( لو سمحنا بالديمقراطية بالعراق لصار حالنا حال لبنان.. هل انتم راضون عما يحصل هناك..؟).. ولكن عملية التغيير لا بد منها يا بو خالد.. وها قد تغير النظام.وممكن ان يكون لك دور في عملية البناء الجديد..؟و لا تنس ان بعثيين كثيرين كانوا ينزعون الى التوسعة، في الممارسة السياسية ايام صدام ومنهم قياديون كبار، وتمردوا عليه..فليش شايل هالرجال على اجتافك يا اخي..
والنظام افلس من زمان ثم وانت سياسي قديم.. كيف تحن للعراق..؟ وتتمنى كتابة شعرك على جدران ضريح الحسين ..؟وانت تسبهم جميعا؟!..وقتها لم يك الأمر قد تردى في العراق للمستوى الذي بتنا عليه الآن عام 2015..!.كان ثمة بصيص امل ..!قبل ان يصعد الطوفان..لم يجب الشاعرلحظتها
بل قال بعد صفنة قصيرة..(..إذا هي ديمقراطية.. فلكل امرئ رأيه..مالهم ورأيي ..؟ثم ان الحكومة شئ ..واهل البيت شئ آخر..)
ثم اعقب( كان العراق ملموما..هسه تطشر.. شوفهم شلون طشروه ،،؟مثل يزار نجوم بعاصفة، بنص بحر..هذا شلون ينلم..؟).. كلامه كان حقيقيا.. لكن موقفه مازال غريبا..انه ينأى بنفسه عن حتميات التاريخ..لايعترف بها مع اهن هذه الحتميات تقول ان صداما لامكان له في المستقبل..
لذاشعرت كما لوكان كلامه (كلام حق يراد به باطل..) فلم اقتنع بكلامه ذاك.. ونزلت من السيارة ،ولم اتابع نشاط الرجل وقتها ،إلا مصادفة..كان يشكومن بخل بعض الفضائيات.قال (تصدّق ذوله ـــ وعنى فضائية محددة ـــ نطوني خمس مية دولار على قصيدتي..؟! )كان يمربازمة، وضنك حقيقي.. ولا ادري وقتها لم تخيلته المتنبي الذي وضع سيف الدولة فوق رأسه، فابعده سيف الدولة ،ربما بسبب خولة شقيقته، التي كانت تحنو على المتنبي،اوبسبب مؤامرات شعراءالبلاط ،فيما كان المتنبي يحلم بالسلطة..ويريد ولاية ..فلما يأس من سيف الدولة، ترك ابوالطيّب حلب وقصد مصر ليمتدح كافور الأخشيدي!! .. من ثم لما يأس من هذا ايضا..شتمه بأقذع المفردات شعرا..اخيراماذانقول..؟
لقد رحل عبد الرزاق عبد الواحد..بمواقف سياسية ،وبعضهاشعري لايرضى عنها أي منصف، إن هي صحت..ولكن صرماية الرجل تبقيه من شوامخ شعراء عصره..وجزءا متمما لتاريخنا، شئنا ام ابينا..ولكل امرئ سقطاته ،ولكل انسان حسناته..و قد قيل قديم اذكروا محاسن موتاكم؟..
فما اكثر محاسن عبد الرزاق قياسا الى مساوئ اناس يدعون الورع،والتقى، والوطنية وهم ينهبون العراق ويمزقونه اربا اربا..
نعم..
لا احد يوافق عبد الرزاق على فكره التبعي للقائد الضرورة، وتبجيله لنوازع صدام ،ومغامراته..
فهذا غير مفهوم تاريخيا ،او ادبيا ،او اجتماعيا ،وانتهاك لضحايا ذهبوا مئات دون ذنب.. لذلك يذكرني عبد الرزاق احيانا بشعراء السلاطين ومرتزقتهم ..ووعاظهم وسدنتهم..
لكن..رغم هذا وذاك.. يتبقى للرجل ملف من حياته، او جزءا من ملف لشعر كانت تقرأه الناس.. ويحتفى بمثله في المحافل.. ومن كان منكم بلا خطيئة..
فليرجمه بحجر..؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن