الثلاثاء، 12 أبريل 2016

وقفة مع الفنانة العراقية عفيفة لعيبي







كتب:  يحيى البطاط
من يشاهد أعمال الفنانة العراقية عفيفةلعيبي لن يستطيع أن يغادر تأثيرهابسهولة، سوف تأخذ لبّه تلك الصرامةالفنية والمتعة البصرية التي ستبقىظلالها عالقة في مخيلته.

عفيفة ترسم بروح امرأة شرقية قادمةمن عصر النهضة!!.. قد يحمل هذاالوصف نوعاً من التناقض الثقافي، لكنه تناقض مقصود، فالرسامة القادمة من جنوب العراق، تشربت بقيم الفن الأوروبي، خصوصاًقيم الكلاسيكية الجديدة، دراسة وتأملاً وبحثاً، وانبعثت فيما بعد في إهاب أسلوبية صارمة ومبهجة تجمع بين روحانية الشرقوتقنيات الغرب.. فحرارة ألوانها والملامح الشرقية لأبطال لوحاتها، وهم في الغالب نساء، بالإضافة إلى الغنى الفكري والثقافي الذييشع من أعمالها سيترك أثره في مخيلة المتلقي دون عناءتقول عفيفة لعيبي عن نفسها إنها محظوظة، ونحن نتفق معها بأنها فنانةمحظوظة بكل معنى الكلمة، في أن تتاح لها فرصة بهذا الاتساع للتعبير عن موهبتها الفذة، والإعلان عن براعتها الفنية التي كان يمكنأن تدفن تحت غبار التخلف ونزق السياسة، وأهوال الحروب..

غير أن هذا الحظ الذي حالف عفيفة لتحقيق حلمها الفني والإنساني، دفعت ثمنه غالياً، فهي منذ أن غادرت مدينتها الأولى البصرة لمتستطع أن تعود لتراها إلا بعد (38) عاماً.. كانت غربة فادحة شحذت روح عفيفة ومنحتها جلداً وقوة في مواجهة الظروف، وفيالوقت نفسه علمتها درساً غالياً في الحياة، فقد وجدت نفسها مواطنة عالمية، تنتمي إلى كل مدن وثقافات العالم... ولدت الفنانة عفيفةلعيبي في مدينة البصرة في أسرة فقيرة ومثقفة إذ كان بين أخوتهاالفنان التشكيلي والخطاط والنحات وعازف العود، أسرة يرعاهاأب كادح يعشق الفن، كان يحرص على حث أبنائه على تذوق أغنيات أم كلثوم وموسيقا عبدالوهاب التي كانت تصدح في ستينياتالقرن الماضي..

في عام (1969) سافرت عفيفة إلى بغداد لتنتسب إلى معهد الفنون الجميلة بتشجيع من أخيها الفنان فيصل لعيبي، وخلال سنواتالدراسة عملت كرسامة صحفية في جريدة طريق الشعب، وما إن تخرجت في المعهد عام (1974) حتى كانت على موعد مع رحلةأبعد بكثير، غادرت إلى موسكو لإكمال دراستها الفنية في الفنون الجدارية لتحصل فيها على شهادة الماجستير عام (1981)، غير أنمطلع الثمانينيات حمل إلى عفيفة أخباراً غير سارة، فقد تقطعت السبل إلى بغداد، وأصبحت العودة إلى الوطن مغامرة محفوفةبالمخاطر بسبب الحرب والتحولات السياسية العنيفة التي شهدتها الساحة العراقية..

تقدم الفنانة عفيفة لعيبي خطاباً تشكيلياً بالغ الثراء، موضوعاً وتكويناً وتلويناً، فهي تصنف كفنانة كلاسيكية في إطار مدارسالرسم، لم تغوها اتجاهات الحداثة ولا تشظيات ما بعد الحداثة، رغم قربها من المشاغل التشكيلية الغربية ومدارسها، بل إنالتصاقها بالقيم الصارمة لفن الرسم أصبح أكثر حميمية، فالدرس التشكيلي (السوفياتي /الروسي)، حيث أكملت دراستها العليا،جعلها أكثر انضباطاً واتقاناً وجدية في عملها، زد على ذلك أنها أغنت مشروعها الفني بطاقة جديدة، بعد أن غادرت الاتحاد السوفيتيلتستقر في إيطاليا وتتنقل بين مدن روما وفلورنسا لعشر سنوات تواصل الدرس والرسم والتأمل في تراث الإنسانية الفني الذيتزخر به مدن إيطاليا ومتاحفها، خصوصاً فنون عصر النهضة الذي نهلت منه الفنانة مفردات كثيرة تناثرت لاحقاً في قاموسهاالتشكيلي.. تقول عفيفة عن تلك المرحلة من حياتها: «مدينة روما وأطلالها تعيدك إلى أكثر من ألفي عام إلى الوراء، وتذكرك بأنحياتك هي مشوار يشبه مشوار هؤلاء الأجداد الذين تركوا لنا شيئاً نحبه ونتمسك به، شيئاً يجعل أقدامنا أكثر ثباتاً على الأرض،وتحس بإنسانيتك وبانتمائك إلى هذه العوالم الساحرة الفريدة».

في بداية عام (1984) سافرت عفيفة إلى اليمن الجنوبي للتدريس في معهد الفنون الجميلة في عدن، لتستقر هناك سنتين، حيثيمتزج جمال الطبيعة بطيبة الناس في إطار لوحة شرقية كبيرة كأنها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.. الغربة اليمنية لم تستمرطويلاً، بعد سنتين عادت الفنانة إلى موسكو للحصول على درجة الدكتوراة في الفن، ولم تفلح في تحقيق هدفها، فعادت إلى مدينةفلورنسا الإيطالية لتستقر فيها ثانية.

عندما التقيت الفنانة واطلعت على ألبومها التشكيلي الذي صدر مؤخراً وجعلت عنوانه (عفيفة لعيبي... سيرة ذاتية عبر لوحةأتيحتلي لأول مرة فرصة الإطلاع على عدد كبير من أعمالها منذ أيام الدراسة في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وحتى آخر سلسلة منلوحاتها صدرت في (2010)، ووصلت إلى قناعة أن هذه الفنانة الكبيرة استطاعت أن تستلهم جل مفردات فنون الرسم الأوروبي،دون أن تفقد خصوصيتها وبصمتها الساحرة،..

في بغداد كانت مغرمة بأعمال لوتريك وخطوط ورقّة الفنان بوتشيللي وفي موسكو كان لفن الأيقونات الروسية تأثير كبير علىأعمالها، بعد ذلك لم تكن عفيفة بمنأى عن فنون عصر النهضة، إن المتأمل لأعمال عفيفة سيكتشف شيئاً من خطوط بيكاسو، ونفحةمن سوريالية سلفادور دالي، وشظايا من حلمية الفرنسي هنري روسو..

خصوصاً في تلك التناصات المقصودة التي تتجلى بين لوحتي الغجرية النائمة لروسو والعبث للفنانة عفيفةاستقرت عفيفة لعيبيالتي يصفها أحد النقاد بأنها (فريدا كالوالعراق، استقرت مؤخراً في هولندا موطن الفنان فان غوخ بعد أن طافت مدناً كثيرة ابتدأتفي البصرة ثم بغداد وموسكو وروما وفلورنسا وعدن وهولندا وخاودا ولايدن، هناك تمضي جل وقتها في الرسم وتأمل الطبيعةالجميلة، لا تشكو من شيء سوى افتقادها نور الشمس، هذه الشمس التي شربت عفيفة من نورها بشغف أيام كانت طفلة وصبيةفي مدينة البصرة ثم طالبة وعاملة وناشطة سياسية في بغداد..

تقولالمناخ هنا بارد وممطر دائماً، وهذا ما أحاول تعويضه في لوحاتي حيث الألوان أكثر إشراقاً ومرحاً، لوحاتي تسبح في سماواتشرقية أكثر زرقة، ونسائي فيها أكثر اطمئناناً وأكثر حباً ودلالاً..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

للنّاصرية…رعد السّيفي للنّاصريةِ..للنّاصريةْو مسيلُ نهرِ الدّمِ. يُسْقِطُ منْ سماءِ الجسرِ              أقماراً نديّةْ خُذْ يا صديقي دمعتي                  للنّاصريةْلمدينتي الأُخرى،لأمواجِ الفراتِ تَبلُّ أضلاعي بحزنِ الماءِ في..             فجرِ الدّماءْخُذني إلى لُغةِ المواقدِ، للكوانينِ العتيقةِ،للمسلّاتِ التّي تتأبطُ الأيامَ أسئلةً،و أسراراً، لِتَصعدَ حيثُ مرقى النّورِ          في الأرضِ النّبيةْ لقداسةِ الجسدِ المسَجّى فوقَ لؤلؤةِ الرّمادِ،لذلك الحزنِ المعَشِّشِ في زوايا الرّوحِيتركُ فوقَ غُصنِ نهاري المكسورِ وردَ الدّمعِ     في النّارِ النّديةْ!لتمائمِ الأرضِ التّي ظَلَّتْ مُعَلَّقةً بجيدِ الموجِ تحرسُ وحشةَ الماءِ الغريبِ مِنَ الحجرْ!لمضيفها الضوئيتسبقُهُ الشّوارعُ، و البساتينُ الفسيحةُ،و البيوتْ لعبيرِ قهوتِها المهَيَّلِ،و هو يُحييْ نكهةَ الحزنِ الحميمِ هناكَ؛حيثُ تمرُّ حنجرةُ الغناءِ بما تيسَّر من رمادِ الروحِ في ذكرى الخفوتْلروافدِ النّهرِ التّي ما انّفَكَ فيها الليلُ يسرجُ للمدينةِ…ما تبقّى من قناديلِ الكواكبِ،و الصّواري السّاهراتِعلى ظلاماتِ الجسورْ!خُذْ يا صديقي دمعتي..لا تهجعُ الكلماتُ في محرابِ ذاكَ الّليلِ..ساهرةٌ معي؛في دمعةِ الزّيتونِ؛يذرفُ أوّلَ الأحلامِ في شغفِ الّلذائذِ نحو علياءِ القبورْ! خُذْني فليسَ هناكَ من معنى لهذا الصوتِ في طُرقِ المدينةِ حينَ يسألُني نشيجُ النّهرِ عن قمرٍ تكسَّرَ في الجذورْ قدْ كانَ يحنو؛كي يعيذَ مواكبَ الأمواجِ      بالأنسامِ من قَنّاصةِ الرّيحِ الغريبةِوهي تُوغِلُ في النّحور!!تلُّ الجنائزِ يطرقُ الأب وابَ يُشْعِلُ في الرؤى غيمَ العذابِ المرَّفي عبثِ الظّلامْ تتفتّحُ الطُرقاتُ عن حشدٍ من الأرواحِ؛تبحثُ في بياضِ الفجرِعن حُلُمٍ ذبيحْ!قَدْ كانَ ينسجُ من حكايا الّليلِ لأغنيةً…لطيرِ الماءِفي النّهرِ الضريحْ!ركضت إلى اللا أينَتسحبُ رغبةَ الأنفاسِفي جثثٍ تُلوّحُ للنّهايةِ،             و هي تنأى؛إِذْ تَمرُّ هناكَ فوقَ أصابعِ الفجرِ الجريحْ!كانَ انتظارُ الموتِ يُشْبهُ شهقةً..ما كادَ يُطْلقُهامسيلُ الدّمِ كي يصحو؛ليغرقَ في سُباتِ الوقتِ حتّى يستريحْ!تلكَ المدينةُ..لم تزلْ تتوشّحُ الحزنَ النّبيْ من أوّلِ الأسماءِتغتسلُ الحروفُ بمائِهاحتّى هطولِ الحُلْمِ في ليلِ البنفسجِ، و هو يغرقُ في الدّماءْ!تلك المدينةُ..أجَّجَتْ في الّليلِ حزنَ الرّيحِ في الوطنِ الجريحْ معراجُها للشّمسِ يكبُرُ في دمي صرخاتُ قلبٍكُلَّما وَطَّنْتُها؛تَرْتَدُّ ثانيةً تصيحْ:قَدْ عادَ شيطانُ الرّمادِ بشهوةٍ وحشيّةٍ؛لتفوحَ عندَ الفجرِ رائحةُ الذّئابِ                         فصيحةً!!من صبحنا المذبوحِ، فوقَ الجسرِ،  في الأرضِ النّبيةْللنّاصريةِ...للنّاصريةْهذا غناءُ الرّوحِ..مَنْ يبكي هُناكَ كأنّما يبكي..مفاتيحَ الجِنانِ، و حكمةَ المدنِ القَصيّةْقَدْ راحَ يبكي الماءَ،و النّهرَ المسيّج بالشّموعْ يبكي اغترابَ الرّيحِ في الأبراجِ،فَيْضَ الكُحْلِ، مرتعشاً،    على سوطِ الدّموعْ قَدْ راحَ يبكيني بأفئدةٍ تُفَتِّشُ في مسيلِ الدّمِ عن سرٍّ تبرعمَمن شفاهِ الجرحِ لمْ يَمسَسْهُ خوفٌ خُطَّ في سِفْر الخشوعْ قَدْ ظَلَّ يصدحُ وحدُهُ للنّاصريةِ…لمْ يزلْ عطشُ الشّفاهِ،ولم تزلْكفّايَ آنيةً من الفخّارِتنضحُ،في اشتهاءِ الشّمسِ،                 جَنّةَ مائِها؛لتُبلَّ فوقَ الجسرِ        ذاكرةَ السّطوعْ٢٠١٩/١١/٣٠هيوستن